أول مضاد حيوي فعّال لبكتيريا السيلان منذ التسعينيات.. ما هو؟

– توصّلت دراسة جديدة إلى أنّ نوعًا جديدًا من المضادات الحيوية يُستخدم لعلاج التهابات المسالك البولية لدى النساء قد يكون فعالًا أيضًا ضد عدوى السيلان، ما يضع هذا الدواء، المعروف باسم جيبوتيداسين (Gepotidacin)، على المسار حتى يُصبح أول مضاد حيوي جديد يُستخدم لعلاج السيلان منذ تسعينيات القرن الماضي.

كتب الباحثون في الدراسة التي نُشرت بمجلة The Lancet، الإثنين: “جيبوتيداسين، علاج مضاد للبكتيريا، يُعطى من طريق الفم، ويُعد خيارًا بديلًا واعدًا لعلاج عدوى السيلان، مدعومًا بملف أمان وتحمّل مقبول”. وأضافوا أنّ الدواء “قد يمثّل تقدّمًا مُهمًا في مجال رعاية المرضى”.

كمضاد حيوي، يعمل جيبوتيداسين (Gepotidacin) عبر الحد من تكاثر البكتيريا داخل الجسم. وقد تمت الموافقة عليه في شهر مارس/ آذار، من قِبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج التهابات المسالك البولية غير المعقدة لدى النساء والفتيات، ابتداءً من سن الـ12 عامًا. وتتفاقم مشكلة التهابات المسالك البولية المتكررة بسبب زيادة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية المتوفرة لعلاجها.

هناك أمل جديد حاليًا في أن يساعد “جيبوتيداسين” أيضًا على مكافحة السيلان المقاوم للأدوية.

وقال الدكتور جيسون زوكر، خبير الأمراض المعدية والأمراض المنقولة جنسيًا، وأستاذ مساعد بكلية الأطباء والجراحين في جامعة كولومبيا، غير المشارك في الدراسة، إنّ “الرسالة الأهم تتمثّل بوجود خيارات علاجية إضافية للسيلان، وهذا أمر رائع”.

في السنوات الأخيرة، أصبحت العلاجات الفعّالة لمرض السيلان محدودة بشكل متزايد جراء الارتفاع العالمي في مقاومة بكتيريا النيسرية البنية (Neisseria gonorrhoeae للمضادات الحيوية، وهي بكتيريا مسببة لمرض السيلان.

يعتمد العلاج القياسي الحالي لمرض السيلان على حقنة عضلية من المضاد الحيوي سيفترياكسون (Ceftriaxone)، ويتطلب زيارة إلى منشأة صحية لتلقي العلاج.

وأضاف زوكر أنّ إحدى ميزات دواء جيبوتيداسين الرئيسية، تتمثل بأنه لا يتطلب حقنًا في عيادة الطبيب، ما قد يجعل علاج السيلان أكثر سهولة وراحة للمرضى، موضحًا أنه عندما تأتي نتائج الفحوصات موجبة، خصوصًا لدى المرضى الذين لا تظهر عليهم أعراض، نضطر لطلب عودتهم لتلقي الحقن.

يمكن أن يسبب السيلان مشاكل صحية خطيرة إذا تُرك من دون علاج، وقد ينتشر، رغم نُدرة الأمر، إلى الدم أو المفاصل.

يؤدي مرض السيلان غير المُعالج لدى النساء، إلى التهاب في الأعضاء التناسلية يُعرف بمرض التهاب الحوض، ما يزيد من خطر المضاعفات أثناء الحمل والعقم. وقد يسبب السيلان في بعض الحالات النادرة العقم لدى الرجال أيضًا.

في الولايات المتحدة، سجّلت معدلات الإصابة بمرض السيلان وغيره من الأمراض المنقولة جنسيًا (STIs) زيادة ملحوظة. فقد ارتفعت الحالات المُبلغ عنها لثلاثة أمراض منقولة جنسيًا تُعتبر خاضعة للمتابعة الوطنية، وهي الكلاميديا، والسيلان، والزهري، بنسبة 90٪ في عام 2023، مقارنة بعام 2004، وفقًا لبيانات صدرت العام الماضي عن المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC).

وقد تم الإبلاغ عن أكثر من 2.4 مليون حالة من الأمراض المنقولة جنسيًا بالولايات المتحدة في عام 2023.

سباق لعلاج السيلان

تم تنفيذ المرحلة الثالثة من التجربة السريرية بين أكتوبر/ تشرين الأول 2019 وأكتوبر/ تشرين الأول 2023، شملت أكثر من 600 شخص تبلغ أعمارهم 12 عامًا وما فوق، جرى تشخيصهم بعدوى السيلان في المنطقة التناسلية البولية. وأُجريت الدراسة في ست دول: أستراليا، وألمانيا، والمكسيك، وإسبانيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

موّلت الدراسة شركة الأدوية GSK التي طوّرت المضاد الحيوي جيبوتيداسين. كما تم تمويل تطوير الدواء جزئيًا من خلال أموال اتحادية مقدمة من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية، ممثلة بإدارة الاستعداد والاستجابة الاستراتيجية (ASPR)، وهيئة البحث والتطوير الطبي الحيوي المتقدم (BARDA)، ووكالة الحد من التهديدات الدفاعية (DTRA).

شارك في الدراسة أكثر من 600 شخص، قُسّموا إلى مجموعتين:

  • نحو نصف عدد المشاركين تلقوا جرعتين في الفم من جيبوتيداسين، بفاصل زمني يتراوح بين 10 و12 ساعة، بجرعة 3,000 ملغ لكل مرة.
  • تلقى النصف الآخر العلاج القياسي الحالي وهو عبارة عن حقنة واحدة من سيفترياكسون مع جرعة في الفم من أزيثروميسين.

تم عرض بيانات هذه التجربة في مؤتمر الجمعية الأوروبية لعلم الأحياء الدقيقة السريرية والأمراض المعدية (ESCMID)، وأظهرت النتائج أن جيبوتيداسين كان فعالًا بقدر العلاج المعياري الحالي، بل ونجح أيضًا في علاج البكتيريا المقاومة للعلاج، أي الحالات التي تقاوم فيها سلالات السيلان المضادات الحيوية المستخدمة حاليًا.

أبرز النتائج:

  • شفاء العدوى لدى 92.6% من المشاركين الذين تلقوا جيبوتيداسين.
  • شفاء 91.2% من الذين تلقوا العلاج التقليدي (سيفترياكسون + أزيثروميسين).

أوضحت GSK  أن 7.4% من المشاركين في مجموعة جيبوتيداسين لم يتم علاجهم بنجاح، بسبب نقص البيانات، وليس فشل الدواء.

وأكدت الشركة أنه “بالنسبة للمشاركين الذين توفرت بياناتهم كاملة، لم تُرصد أي بكتيريا مستمرة في موقع العدوى التناسلي البولي”.

رغم أن الدراسة ركزت بشكل أساسي على علاج السيلان في الجهاز التناسلي البولي، إلا أن بعض المشاركين المصابين بعدوى في المستقيم والحلق تم تقييمهم أيضًا. وأظهرت النتائج أن علاج السيلان في الحلق أكثر صعوبة مقارنة بالمناطق الأخرى.

رغم ذلك، تم علاج 88% من المصابين بالسيلان في الحلق (14 من أصل 16 شخصًا ممن توفرت بياناتهم كاملة).

كتب الباحثون أن انتشار عدوى السيلان في الحلق (pharyngeal gonorrhea) يتطلب المزيد من الدراسة ضمن مجموعة أكبر من المشاركين، لمعرفة فعالية دواء جيبوتيداسين (Gepotidacin) في علاج هذه الحالة تحديدًا.

أشار زوكر إلى أنّ “السيلان في الحلق من أصعب الأنواع في العلاج، ويلعب دورًا كبيرًا في الانتقال الصامت للعدوى وتطور المقاومة، لذا من الضروري وجود خيارات علاج فموية فعالة في جميع مناطق الجسم المصابة”.

الأعراض الجانبية ومجموعات غير ممثلة

لم يُسجل الفريق الدولي من الباحثين أي آثار جانبية خطيرة أو مميتة مرتبطة بأي من طريقتي العلاج المستخدمتين.

لكنّ شهدت مجموعة جيبوتيداسين معدلات أعلى من الآثار الجانبية مقارنةً بمجموعة العلاج القياسي (سيفترياكسون + أزيثروميسين)، ارتبطت غالبيتها بالجهاز الهضمي، مثل الإسهال والغثيان، وكانت كلها تقريبًا بين خفيفة ومتوسطة.

وعلّق زوكر أنّ “إحدى التحديات مع المضادات الحيوية الفموية يتمثل بأنها غالبًا ما تسبب آثارًا جانبية في الجهاز الهضمي”.

ولفت الباحثون إلى أهمية التوسّع في الدراسات المستقبلية لتشمل مجموعات لم تكن ممثلة بشكل كافٍ في هذه التجربة، خصوصًا النساء والمجتمعات ذات البشرة الداكنة  والملونة، حيث أن:

  • 92٪ من المشاركين كانوا رجالًا
  • 74٪ كانوا من ذوي البشرة البيضاء
  • 71٪ كانوا رجالًا يمارسون الجنس مع رجال

تقدُّم حقيقي وتخوّف في الوقت ذاته

وصف الدكتور جيفري كلاوسنر، أستاذ الصحة العامة في جامعة جنوب كاليفورنيا، الدراسة بأنها “مدروسة بعناية، وبياناتها دقيقة  جدًا”، لافتًا إلى أن “امتلاكنا لمزيد من الخيارات لعلاج السيلان أمر حاسم في إبطاء مقاومة البكتيريا للمضادات. إذا تمت الموافقة على جيبوتيداسين كخيار لعلاج السيلان، فسيكون ذلك تقدمًا حقيقيًا”.

لكن نُشرت ورقة تعليق مرافقة للدراسة في مجلة The Lancet حذّرت من أن بكتيريا السيلان قد تطور مقاومة لجيبوتيداسين أيضًا مع مرور الوقت.

عن admin

شاهد أيضاً

مصر.. شيخ الأزهر ينعى البابا فرنسيس: حرص على توطيد العلاقات مع العالم الإسلامي

نعى شيخ الأزهر أحمد الطيب، الاثنين، البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان الذي تُوفي، الاثنين، مشيدا بحياته التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *